“سفير” يطلق طاقات الشباب نحو مشاريع تخدم مجتمعاتهم
2 يوليو، 2022تقرير يوضح تراجع تحقيق معظم أهداف التنمية المستدامة بالأردن
5 يوليو، 2022“تمكين” تنفذ برامج لحماية الطفل من التسول والعمالة
بعد أن ترك عربة الخضار المحملة بالبطاطا والخضراوات خلفه، شق الشاب عبد ربه خلدون، ابن السابعة عشر، طريقه من جديد بعيداً عن سوق الخضار (الحسبة) الذي عمل فيه لفترة وجيزة، بعد تعرضه لإصابة بالساق وجروح جراء انقلاب العربة فوقه، ليلتحق بالتدريب المهني وتحديدا “النجارة “.
خلدون، الذي شفي من إصابته التي استمرت نحو الثلاثة أسابيع، وتكفل والده بعلاجه لأن ابنه لا يملك تأميناً صحياً رغم أن الإصابة حدثت في سوق الخضار وخلال وقت العمل المحدد له من بين مجموعة من الشبان الذين تخلوا عن العمل والتحقوا بمدرسة للتعليم المهني.
يقول خلدون لـ”همم”: “كنت برفقة أصدقاء عندما التقيت مجموعة من العاملات بجمعية نشميات سحاب (من الجمعيات الشريكة مع مركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان)، اللاتي بادرن إلى حضِّنا مجموعة على العودة إلى مقاعد الدراسة، وبالفعل ذهبت وتلقيت تعليماً في مواد الرياضيات واللغتين العربية والإنجليزية” .
وتابع خلدون، الذي كان قد انقطع عن الدراسة وهو في الصف العاشر، “استفدت جداً ووجدت نفسي جيداً بالرياضيات، وقد حصلت على مبلغ 70 ديناراً لقاء دراستي وفق التدريب المخصص والالتزام بالدراسة “.
لم يكن خلدون يعمل بالسوق المركزي على عربة نقل الخضار لغاية مساعدة عائلته وإنما أراد من العمل تحصيل مبلغ مالي يوفر تكاليف التزاماته الشخصية لكونه في مقتبل العمر.
أكثر من 10 ساعات كان يمضيها خلدون بالعمل داخل السوق المركزي، حيث كان يبدأ عمله من الساعة الثانية فجراً وحتى الثانية عشرة ظهراً، ينهي المطلوب منه ليعود إلى المنزل ويقضي وقته مع عائلته وأصدقائه ويأخذ قسطاً من النوم قبل أن يعود إلى عمله في الوقت المرقوم.
التحق خلدون بصفوف التدريب المهني ووجد مهنة النجارة الأقرب إلى نفسه، وتعلم عليها “لتكون حرفة تؤهلني لسوق العمل”.
أما الطفل محمد (15 عاماً)، فلم يحالفه ذات الحظ الذي رافق خلدون؛ فهو عمل لدى صاحب مطعم على نظام المياومة منذ آب 2021 وتعرض لإصابة عمل أدت إلى بتر أجزاء من أصابع يده عند قيامه بتنظيف إحدى الماكينات، وعولج على حساب صاحب العمل في مستشفى السلط، مع أنه يسكن في منطقة أبو نصير بعمّان .
غير أن محمد ما يزال يعاني من ضغوطات نفسية بسبب ما جرى له من أثر إصابة العمل، تسببت في ركونه إلى العزلة والإنطواء الحادين، ما جعل تعامله مع المجتمع المحيط به والانخراط فيه أمراً بالغ التعقيد.
يعمل الطفل عبده، ابن الستة عشر عاماً، يعمل في مول بمدينة الزرقاء، التي يقطن فيها.
طبيعة عملِ عبدُه متعددة، فهو يعمل في ترتيب البضائع ويقوم بالتغليف وتوزين البقولياتِ وغيرها، إضافة إلى توصيل البضائعِ مع الزبائن إلى سيارتهم، وفي أحيان كثيرة ينقل البضائع من المستودعِ الخاص بالمول إلى الرفوف..
عبدُه ليس المعيل الوحيد لأسرته، لكن عمله يُشكل فارقا كبيراً، لأن دخل الأسرة لا يكفيها؛ فهو أخٍ لخمسةِ أطفال، وتتقاضى والدته راتبا من الضمان الإجتماعي بعد وفاةِ والده .
أما عن ظروف العمل، فقد كان يعمل قبل رمضانٍ الأخير بعد عودته من المدرسة، لأكثر من تسع ساعات في اليوم، وفي أيام رمضان يلتحق بالعمل فور مغادرة المدرسة، ويبقى إلى ما بعد أذان المغرب بنصف ساعة، وصارت أعباء العمل أكثر من قبل، إذ يعمل بجهد أكبر، ولا وقت للذهاب للبيت أو الحصول على قسط من الراحة .
يتقاضى عبدُه مئة وعشرين ديناراً شهرياً، ولا يحصل على إجازة أسبوعية أو عطلات، ففي يومي الجمعة والسبت يعمل طوال اليوم، دون الحصول على بدل عمل إضافي .
تلقى عبده إنذارا أخيرا من إدارة المدرسة، لتغيبه أياما متواصلة عن الدوام المدرسي، وفي بعض الأيام كان يهربُ من المدرسة، إضافة إلى أنه كان ينام في الصف خلال الحصص .!
عبء المسؤولية الملقاة على كاهلِ عبده، راكمت عليه ضغوطا نفسيةً، فهو بات جزءاً لا يتجزأ من مسؤولية المشاركة في إعالة أسرته، حتى وإن لم يكن المعيل الوحيد .
أما عن التعب الجسدي، فالتعب والإرهاقُ المستمر الناجم عن قلة النوم، يلازمانه، ناهيك عن التفكير المستمر بالمستقبل الذي ينتظره حال استمر في العملِ.
يتشارك كل من خلدون، محمد وعبده عناء العمل الخطر، وهم من بين عشرات الأطفال الذين استفادوا من الدعم القانوني المقدم لهم من مركز تمكين في حين يكمل شركاء المركز العمل على مساعدة من يرغب من الأطفال العاملين بالعودة الى المدرسة او التدريب المهني أو غيره ، والوصول الى المصلحة الفضلى للطفل .
تنص المادة (73) من قانون العمل الأردني وتعديلاته على حظر عمل الأطفال دون 16 عاماً، في حين سمحت المادة (74-75) لفئات الأطفال بين 16 و18 عاماً بالعمل بما لا يزيد على 36 ساعة أسبوعيا في مهن لا تصنف بالخطرة
ووضع مركز “تمكين” (وهو إحدى مؤسسات تحالف مؤسسات المجتمع المدني همم) عمل الأطفال والتسول هدفا لمشروع يكافح عمل الأطفال، الذي يرى فيه نوعا من الاتجار بالبشر، وذلك بالعمل على تغيير في اتجاه مواقف المجتمع والأسرة وتحقيق المصلحة الفضلى للطفل
وفي هذا الاطار، يتوقع” تمكين ” ازدياد عدد الأطفال العاملين في القطاعات الخطرة بعد تفشي فايروس كورونا منذ اذار عام 2020 وحتى عام 2022 من خلال اجتماعات الاستراتيجية الوطنية لمكافحة عمل الأطفال ،الى 100 ألف طفل عامل في الأردن، والأكثر يعملفي القطاعات الخطرة مثل الميكانيك ،غسيل السيارات ،والزراعة، والانشاءات، والتحميل والتنزيل، وبيع القهوة السائلة، التسول، والبيع عند الإشارات وما الى ذلك.
وتقول مديرة المشروع ياسمين اشتي لـ”همم” إن “تمكين” تعمل على التدريب من خلال عقد جلسات تدريبية مع وزارة التنمية الاجتماعية على الحد من أشكال عمل الأطفال في القطاعات الخطرة في الأردن. ونفذ المركز تدريبين أحدهما مخصص لمكافحة التسول والآخر للحد من عمل الأطفال
وتشير إلى إجراء تدريبات رفع القدرات الفنية للجهات الحكومية والجمعيات الشريكة في برنامج مكافحة عمل الأطفال والتسول، بعنوان “التخفيف والحد من أشكال عمل الطفل في القطاعات الخطرة في الأردن، في مناطق وسط وشمال وجنوب المملكة” بهدف تعزيز القدرات المحلية نحو تحقيق بيئة تتسم بالوقاية والحماية من عمل الأطفال
وتوضح اشتي أنه جرى تطوير فكرة البرنامج حول بناء قدرات العاملين على الحماية من عمل الطفل والتسول، وعلى مبدأَي الحماية وتعزيز سبل العيش، بالشراكة مع جمعيتي حماية الأسرة والطفولة في إربد وجمعية الملكة زين الشرف في المفرق، ومعهد العناية بالصحة الأسرية في الكر.
ولفتت إلى تنفيذ ثلاثة تدريبات في عمّان حول عمل الطفل في التشريعات الوطنية والدولية وحماية الطفل من العمل ضمن الإطار الوطني للحد من عمل الطفل وإدارة الحالة، مستهدفة 61 مشاركا، منهم 13 من وزارة العمل و16 من وزارة التنمية الاجتماعية و19 من الأمن العام و13 من وزارة العدل
ويشير المسح الوطني لعمل الأطفال 2016 الصادر عن مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية بالتعاون مع منظمة العمل الدولية ووزارة العمل ودائرة الإحصاءات العامة (وهو آخر مسح) إلى أن عدد الأطفال العاملين في الأردن ذكوراً وإناثاً، الذين تُراوح أعمارهم بين 5-17 عاماً، بلغ 75982 طفلاُ منهم 8868 طفلة وبنسبة 11.7%. فيما تشير تقديرات إلى ارتفاع هذا الرقم لأسباب متعددة من بينها تزايد صعوبة الأوضاع الاقتصادية وجائحة كورونا وتداعياتهما على الأسر
ويُظهِر المسح أن 44917 طفلاً (منهم 2393 طفلة وبنسبة 26.9%) يعملون في أعمال خطرة، وهو ما يشكل 59.1% من مجموع عمالة الأطفال
وبعد تفشّي فيروس كورونا، منذ آذار عام 2020 وحتى هذا العام، ومن خلال اجتماعات تحديث الاستراتيجية الوطنية لمكافحة عمل الأطفال فيُتنبّأ أن يرتفع عدد الأطفال العاملين إلى 100 ألف طفل عام، أكثرهم في القطاعات الخطرة مثل الميكانيك وغسيل السيارات والزراعة والإنشاءات والتحميل والتنزيل وبيع القهوة السائلة، والتسوّل والبيع عند الإشارات الضوئية والشوارع..