واقع الأردن في المعايير الدولية الناظمة للحق في التجمع السلمي والجمعيات وأفضل الممارسات الدولية
1 يونيو، 2022في الأردن.. حرية على مقاس السلطة
5 يونيو، 2022لا تعرف يارا (اسم مستعار) ابنة الثانية عشر، أن تغيير إفادتها أمام المدعي العام بجريمة هتك عرض سيؤدي إلى رفع دعوى الحق العام ضدها واتهامها بشهادة الزور، إذ كانت تلك الصغيرة دعت على صاحب بقالة تعرض لها، ما دفع والديها لتقديم الشكوى.
إلا أن أهل الضحية، تراجعوا لخوفهم من المشتكى عليه عن تقديم الشكوى وعرضه على العائلة مبلغاً مالياً لسحب الشكوى وتغيير الضحية لأقوالها، لتفيد بأن المشتكى عليه لم يعتد عليها، وتلقين الصغيرة عبارات لا يمكن للقانون تجاهلها وعدم الأخذ بها، بحجة “طفلة وبتمزح ما كان قصدها” ما قاد إلى أمر غير متوقع.
عائلة يارا لم تتوقع إحالة ابنتهم إلى المحكمة المختصة بتهمة شهادة الزور، الأمر الذي تطلب تدخل مركز العدل للمساعدة القانونية بناء على طلب من أهلها وعرض القضية ليتولى الدفاع عن ابنتهم.
لم يكن ملف قضية يارا الوحيد، الذي يتم التعامل معه بخصوصية بل هناك آلاف الملفات التي تقدم الموكلين بها طلباً لمحامي المركز لمساعدتهم قانونياً، وقد سبقها آلاف الحالات منذ افتتاح المركز عام 2008، وذلك بحسب الرئيس التنفيذي للمركز الحقوقية هديل عبد العزيز.
وتقول عبد العزيز “لحسن الحظ أن القضية أحيلت للمركز في مراحل مبكرة، وتنبهت المحامية خلال دراسة ملف القضية إلى نقطة قانونية مفصلية صغيرة، وهي أن الطفلة يوم ضبط أقوالها كانت بحاجة إلى أسبوع لإتمام الثانية عشرة من عمرها، وفي هذه الحالة لا يوجد مسؤولية جزائية، إذ أن المشرع الأردني رفع سن المسائلة القانونية إلى 12 سنة”.
العقاب يؤدي إلى دمار الطفل وحرمانه من حقوقه بحسب عبد العزيز، التي أكدت أن المركز يعمل وفق مبدأ المصلحة الفضلى للطفل، ولهذا علينا أخذ الكثير من الأمور المتعلقة بالحدث بعين الاعتبار ولمصلحة الطفل.
وأضافت “لا نريد أن يفلت الطفل من العقاب، لكن في نفس الوقت علينا أن نطبق برامج إصلاح وإعادة تأهيل وإدماجه بالمجتمع، بحيث يبقى بقدر المستطاع ضمن بيئته الطبيعية”.
عادة تحضر الضحايا (تحت السن القانوني) وقد تعرضن لاعتداءات جنسية مثلاً، ويجري الصلح بين الجاني وعائلة الضحية، وفي مثل هذه الحالة يقع نوع من الضغط حيث يطلب من الضحية خلاله تغييرالاقوال.
ويتسلم المركز عادة قضايا لجرائم مرتكبة من قبل الفئات العمرية أقل من 18 (أحداث)، أو لضحايا من ذات الفئة العمرية، فهذا ما أوضحته عبد العزيز لـ ” همم”.
وفي الأردن، حدد سن البلوغ ب 18 عام، وبالتالي من لم يبلغ هذا العمر يتعامل القانون معه على اعتباره طفلاً، ولكنه يحاسب من خلال العدالة الصديقة للطفل بحيث يكون الهدف من الحساب هو الإصلاح وليس العقاب.
وقالت عبد العزيز إنه من الواجب بشكل عام معرفة التركيبة العقلية والنفسية والاجتماعية للطفل فهي مختلفه عن البالغ، فهو يعتبر شخص غير ناضج وبالتالي احتمالية الوقوع بالخطأ كبيرة.
وأشارت إلى أن القانون تغير لكن ما تم تطبيقه بقي متذبذباً، ومركز العدل تبنى هذا الملف منذ عام 2014، وعمل على القانون من خلال إعداد مسودة أولى للأنظمة والتعليمات، كما تم رصد الفجوات في النظام ومحاولة الإصلاح.
ولفتت إلى تدريب مراقبي السلوك والعمل على تطوير التقارير، وما زلنا نعمل على تطوير تلك التقارير، حيث جرى تدريب أكثر من 150 مراقب سلوك على كيفية إعدادها.
كما عمل المركز على الشراكة بين مراقب السلوك والمحامي والقاضي، فهي علاقة أساسية في عدالة الطفل، وهم ليسوا خصوم وإنما جميعهم يعمل من أجل مصلحة الطفل.
وقالت عبد العزيز” لدينا محامين مدربين على عدالة الأحداث، نتلقى حالات يتم إحالتها من وزارة التنمية الاجتماعية ومن جهات المختلفة، ونمثل خلالها الطفل خاصة من لا تملك أسرهم حق توكيل محامي، أو في حالة تخلي الأهل القادرين مادياً عن الطفل، فهناك من يردد عبارة “اتركوه يتربى”.
أنواع القضايا التي يجنح بسببها الحدث مختلفة، والأكثر انتشاراً بحسب عبد العزيز هي الإعتداءات الجسدية نتيجة المشاجرات والسرقات البسيطة، إلا أن هناك زيادة بقضايا المخدرات وهتك العرض، وهي جرائم تأخذ حيزاً بين الأطفال بسبب انتشارها.
وبيّنت في هذه الحالة يكون دور المحامي، ولماذا يجب أن يكون المحامي مع الطفل أولاً، الطفل لا يدرك الإجراءات القانونية، والعدالة الجزائية ليست عدالة سهلة في الأردن والقوانين معقده وطويلة.
وتوقفت عبد العزيز عند أهمية تواجد المحامي مع الحدث (الطفل) لوجود احتمالية مرتفعة، لأن يعترف الطفل بجرم لم يرتكبه.
وفي كثير من القضايا يتبين أن الطفل اعترف بالفعل على أرض الواقع، لأن هناك من أقنعه بتقديم اعتراف ليخفي في المقابل جريمة ارتكبها شخص بالغ.
أحياناً، يرتكب الأب الجريمة ويطلب من الحدث الإعتراف بإرتكابها لكون الحدث يعاقب بعقوبة أقل، كما أنه لن تسجل بحقه أية قيود ويتم “تلبيسها” للحدث سهل التأثر، ولهذا يجب أن يكون هناك أحد يراعي المصلحة الفضلى للطفل، للتأكد من عدم وجود مؤثرعليه، وأحياناً يكون ولي الأمر وجوده غير كاف ويتطلب تواجد محامي.
وبالعودة إلى ملفات المركز، نجد أن توكيل محامي بقضية قد يغير تصنيفها والعقوبة، والسير بإجراءات التقاضي إجراء يتقنه المحامي ولا يعرفه الشخص العادي، فماذا لو كان طفلاً واعترف بارتكاب جريمة بالقول ” أنا مذنب”.
ملف ملفت يعزز دور توكيل المحامي، تحدثت عنه عبد العزيز خلال عرضها لملف طفل أصم اعتاد التعرض للتنمرعليه، وفي إحدى المرات وخلال لحظة غضب قام وبرفقة أطفال آخرين بالاعتداء بضرب الأطفال المتنمرين.
وأوضحت عبد العزيز بحسب الطفل، فقد كان في موقف يدافع عن نفسه عندما قام بكسر زجاجة وقام بضرب الطفل المتنمر بها، مما أدى إلى إصابته بجرح قطعي باليد تحديداً شريان الرسغ.
وجرى تكييف القضية من قبل المدعي العام الشروع بالقتل، وذلك بناء على رد الطفل الأصم عند سؤاله من قبل المدعي العام عما إذا كان مذنباً عن التهمة أم لا فأجاب الطفل “مذنب”.
لم يكن الطفل المشتكى عليه يعلم معنى “مذنب” بالقانون، ليصدر قرار حكم بحقه السجن 4 سنوات، تقول عبد العزيز ” أستأنف القرار من قبل محامي المركز إلا أن وقت السير بإجراءات التقاضي لم يكن إلزامياً وجود محامي مع الحدث، وخلال الطعن بقرار الحكم استند المحامي إلى نقطة قانونية بسيطة، وهذا جزء من عمله إذ انتبه إلى أن والدة الطفل هي من كانت تترجم للمحكمة، وهي ليست مترجم محلف، على ضوء ذلك تم فسخ القرار والطلب من الحدث نفي التهمة المسندة إليه بـ “غير مذنب”، وعلى أثر ذلك جرى تعديل وصف التهمة إلى الإيذاء البليغ وتم تخفيض العقوبة نتيجة تعديل التهمة.
وقالت عبد العزيز “لو لم يتدخل المركز لكان هذا الطفل قد دمرت حياته، فهو من المتفوقين في مدرسته وحاصل على المرتبة الأولى في صفه”.
ما زالت المنظومة القضائية من وجهة عبد العزيز بحاجة للمساعدة للسير بالإجراءات القضائية التي رسمها القانون، ولهذا نقول أن القانون به عقوبات بديلة لكننا بحاجة للتأسيس للقضية باختيار العقوبة الأنسب، ووراء تلك الملفات المخزنة.
داخل خزائن مكاتب المركز العديد مما قدم من المساعدة القانونية، التي تعني للحقوقية عبد العزيز تغيير حياة، فالمساعدة القانونية تعني فرصة ثانية للإنسان أن يعيش حياة مختلفه دون الحكم عليه، نتيجة غلطة تفرض عليه السير بطريق الإجرام هذه أمور مهمة عند التعامل مع الأطفال.
تذكر عبد العزبز هنا إحدى الحالات لطفل كان قد تعرف على رفاق سوء، وقام بارتكاب العديد من السرقات والجرائم البسيطة، وقدم المركز له المساعدة القانونية وصدر بحقه قرار (تدبير احترازي).
وبعد إنهاء العقوبة، وبحسب عبد العزيز قامت إحدى الزميلات في المركز والتي تعاطفت مع والدة الحدث لكونها تسعى جاهده لتربية أبناءها بالتواصل والتراسل مع الحدث من خلال عبارات تحفيزية مؤثرة ” شفت إمك كيف بتترجى بالقاضي ..ما تحط إمك بهذا الموقف كمان مرة ” .
وقالت عبد العزيز “السنة الماضية أرسلت لنا والدته بأن ابنها نجح بالتوجيهي… لولاكم كان ما احتفلنا بهذا اليوم”.
وأضافت أن المساعدة القانونية في القانون الأردني يتم التعامل معها على أنها حق موجود بشكل انتقائي وغير منظم أحياناً، غايتنا تنظيمها ولكل إنسان له حق بأن يحتمي بحماية القانون بغض النظر عن وضعه المادي، فالجميع معرض للحاجة إلى الحماية القانونية نحن دولة القانون وضروري جداً أن نتأكد بأن القانون متاح للجميع.
وقالت إن هناك تجاوب مع تقاير المركز، وقد تبنينا فكرة تعامل المنظومة مع الأطفال بقضايا المخدرات، مبينة الحاجة لضمانات المحاكمة العادلة وضمانات عدالة الأحداث للأطفال في قضايا الأحداث، مؤكدة أن التجاوب كبير.
وكانت أهم الإشكالات التي واجهة المركز عدم وجود مركز لعلاج الإدمان مخصص للأطفال، بالتالي بدل أن يتم معالجة الطفل يذهب لعقوبة سالبة الحرية ويتم التعامل معه بقسوة.
وأكدت عبد العزيز أن العمل يجري على تأسيس مركز لعلاج إدمان الأطفال، تم الإعلان عنه خلال إحدى ورشات العمل التي عقدها مركز القضاء العسكري الذي استجاب، وسيخصص جناحاً للأحداث لدى محكمة أمن الدولة مع تخصيص مدعي عام خاص للأحداث .
وتقول عبد العزيز “يجري الآن العمل مع مديرية الأمن العام، كما ندعمهم فنياً بتدريب أكتر عدد من الشرطة كمؤهلين بقانون الأحداث وعدالة الأحداث”.
وحذرت من نسبة العودة الجرمية بين الأطفال، مشددة على ضرورة التأكد من أن أي طفل يدخل إلى منظومة العدالة، يدخل بهدف الإصلاح لا للتعرض لمخاطر أكبر.
وأوضحت ضرورة منع الاختلاط بين البالغين والأطفال في أول مرة، لاحتكاكهم مع منظومة العدالة والأحداث المكرري، مؤكدة أن التعامل بقسوة ليس هو الحل.
وختمت “هناك من يعتقد أن تغليظ العقوبات الواقعة على الأحداث هو الحل، تغليظ العقوبة ليس حلاً والحل هو الإصلاح والرعاية اللاحقة”.