كيف نطور تقييم الأردن على مؤشر مدركات الفساد؟
6 يونيو، 2022التوجه نحو التعليم التقني المهني هل سينقذ الأردنيين من شبح البطالة؟
6 يونيو، 2022يقف وراء التنمر الإلكتروني حكايا لضحايا انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في الأردن تكتم ألمها سراً، دون أن تكشف عنه خوفاً من عقاب قد ينال من الضحية لا الجاني، وسط صرخات لرغبات بالانتحار، فالموت أهون عليهم من العقاب خاصة الفتيات.
تخشى المديرة التنفيذية لمركز العدل للمساعدة القانونية الحقوقية هديل عبد العزيز، تنفيذ ما يجول في خاطر ضحايا التنمر الإلكتروني ورغبتهن بالتخلص من الحياة والموت، بسبب معاناتهن النفسية جراء ما يتعرضن لهن من إساءة.
وعلى حد تعبيرها ” دائما ما نقول للأهالي أولادكم سيتعرضون للتنمر، لكنه لا يعني ذلك منع الإبنة من حصولها على الهاتف المحمول، ولا ننكر أنه بات جزء لا يتجزأ من حياة الفتيات اليومية ولو منعت فتاة من استخدامه ستستخدمه سراً وبعيداً عن رقابتكم”.
وأضافت “الأصل أن تعطيها الهاتف المحمول مع إبقاءها تحت أعينكم، ووضع إجراءات رقابية مناسبة والأهم التأكد من الحوار مع ابنتك، الشدة مع الأطفال هذه الأيام لن تؤدي إلى النتيجة المرجوة”.
ومع امتداد ظاهرة التنمر التي دخلت إلى بيوت الكثير من طلبة المدارس والجامعات حتى أماكن العمل، ورغم عدم وجود أرقام موثقة، فقد تكون نسبة الفتيات هي الأكبر بين من وقعوا فرائس لهذا النوع من الجريمة التي يعاقب عليها القانون.
ومن خلال تنفيذ البرامج وورشات العمل، رصد المركز– أحد مؤسسات تحالف المجتمع المدني “همم” – ظاهرة التنمر بالشكل المتعارف عليه داخل المدارس خاصة بين الطلبة والاستفراد بالضعفاء منهم ومن قبل المتنمرين، إلا أن شكلاً آخر بات حاضراً لكنه شكل أقوى ألا وهو التنمر الإلكتروني.
الحقوقية عبد العزيز قالت في حديثها لـ “همم” أطلق مركز العدل للمساعدة القانونية سلسلة من الحملات التوعية المرتبطة باستخدام النت ووسائل التواصل الاجتماعي، وفي عام 2015 أطلق المركز حملة ” أنا ضد التنمر” التي استهدفت المدارس، ورصد خلالها الفريق حالات تعرضت لأشكال من التنمر من خلال العمل الميداني، وذلك بوقت وقبل انتشار التنمر كظاهرة.
وأوضحت عبد العزيز بأن التنمر لوحظ من خلال تعرض طلبة وبأعمار مختلفة لاعتداءات جسدية ولفظية، ولذلك بدأ العمل من خلال تنفيذ عدة حملات توعية، وأضافت أن الأمر تطور سريعاً حتى وصلنا إلى التنمر الإلكتروني وهو الأكثر شيوعاً حالياً.
وقالت إن فريق المركز لاحظ سلوكيات عند الأطفال من خلال العمل مع المدارس، وعند تنفيذ حملة “حقوقي” التي تقوم أساساً على استخدام الدمى والألعاب لإيصال المعلومة لفئة طلبة المدارس، ومن خلال طرح أسئلة حول “ماذا تعرف عن حقوق الطفل “.
ولجأ فريق الحملة إلى استخدم الدمى للتواصل مع الأطفال ومخاطبتهم من خلالها، وطرح الأمور الصعبة بطريقه سلسة يسهل إيصالها للطفل، وذلك من خلال الدمى المتحركة لشخصيتي “الولد عادل والبنت إنصاف”.
ولفتت إلى أنه تم تنفيذ أكثرمن حملة ذات علاقة بالتنمر الإلكتروني من بينها “نت صديق للطفل”، والتي هدفت إلى توعية الأطفال وتوعية الأهالي وإرشاد المعلمين والمشرفين في المدارس وبشكل عام.
ووجهت حملة “نت صديق للطفل” رسائل توعوية للأهالي بطرح سؤال “هل تعرف عما إذا كانت إبنتك أو إبنك يتعرض أو أي من الطرفين للاستغلال عبر الإنترنت؟”.
وقالت عبد العزيز “ما كان يهمنا أن لا تكون ردة فعل أي من الوالدين هي العقاب والصراخ، بل كنا نعمل على أن يكون بين الأب وابنته حديث مشترك، وأن تكون تلك العلاقه مبنية على الأمان وعلى فرض وجود زعل بين البنت وأبوها أو أمها. بيهمنا انه خوف البنت ما يطغى على اللجوء للأم أو الأب وقت الحاجة” .
وطالبت عبد العزيز الأهل بمراقبة الوقت الذي يمضيه الطفل لوحده داخل غرفته، وإذا كان يمضي وقته بغرفة مغلقة لوحده ولساعات طويلة ويلعب ألعاب إلكترونية فيها عنف، وأحياناً هذه الألعاب تستغل الطفل جنسياً وفق محتوى اللعبة، أو من يقوم على مشاركة الطفل اللعب بها وأحياناً قد تصل إلى حد التطرف أو الانتحار.
ومع مرور سبعة أعوام من العمل على مناهضة ونبذ التنمر لما يتركه من أثر نفسي سلبي على نفسية الضحية، إلا أن ما كشفت عنه عبد العزيز يدق ناقوس الخطر وهو ارتباط التنمر بالانتحار.
تقول عبد العزيز “التنمر مرتبط برغبة الضحية بالانتحار، كتير من الفتيات وبالتواصل معهن من خلال أنشطة المركز يفصحن عن مشاعرهن ورغبتهن بالأنتحار، وكرههن لأنفسهن نتيجة تعرضهن للتنمر لما يحمله من قسوة غير عادية”.
وأضافت نحن بحاجة إلى برامج توعية وقائية وليس فقط معالجة الضحية والمتنمر أيضاً، نريد خلق ثقافة تنبذ التنمر لذلك كانت إحدى رسائل المركز” المتنمر هو الشخص الضعيف”، وذلك لعدم إيصال الشخص المتنمر إلى حالة من التعظيم والذي يعمل لأطفال على استرضاءه ليأمنوا منه، بالعكس علينا إعطاء القوة لطفل الضحية وليس من خلال ما هو شائع بين الأهل ” اللي بيضربك أضربه “، وعلى الطفل أن يعي بأنه شخص لا يستهان به وليس أقل شأناً من الطفل المتنمر.
وأوضحت أن للتنمر شق قانوني، فعند استخدام الطفل للتنمر عبر الإنترنت، عادة لا يعرف هو وأهله أن هذا السلوك يعرضهم للمساءلة القانونية وأنها تشكل جريمة، وإذا كان قد تجاوز عمر الثانية عشر من عمره، فقد يتعرض للمحاكمة وتقديم شكوى بحقه ويعاقب وتجري محاكمته، هذه رسائلنا الحملة عملت في المدارس مع الأهالي والأطفال والقائمين على المدارس.
فتحت عبد العزيز خلال حديثها لـ “همم ” ملفات لقضايا كانت بمثابة قضايا تحمل في باطنها “صرخة ألم” للضحايا من كلا الجنسين، قدم المركز كل إمكانياته القانونية للمساعدة والأهم عودة العلاقات الأسرية إلى مسارها الصحيح.
ومن بين تلك الملفات التي تحدثت عنها عبد العزيز، قضية فتاة تبلغ من العمر 17 عاماً حاول أحد الشباب استغلالها بعد التعرف عليها، من خلال أحد مواقع التواصل الاجتماعي، إذ بدأت بعلاقة حب إلى أن بدأ رويداً رويداً بطلب صورها.
واستغلال الفتاة بعبارات مثل “أنا بحبك وإنت مرتي”، مدللة عبد العزيز على أمر هام يدفع الفتيات للوقوع ضحايا لهذا النوع من الجريمة بسبب فقدان “الحنان ” من قبل الوالدين للبنت خاصة، وتعيش الطفلة داخل عائلة لا تشعر بالحنان بها من الوالدين وفقدان الحنان يجعلها أكثر ضعفاً.
ولفتت إلى أن الخلافات التي وقعت بين الشاب والفتاة الضحية، بسبب رفضها تلبية طلباته كانت دافعاً لابتزازها، الأمر الذي دفع بها إلى اللجوء إلى المركز وطلب المساعدة منا والتدخل لإنقاذها .
وقالت إنه عندما حضرت الفتاة إلى المركز كان طلبها أن لا تعرف عائلتها بما حدث معها، ونحن نعمل عكس ذلك إذ دائما نطلب من الأطفال (الضحايا ) إيجاد شخص من العائلة يثقون به، مع هذه الحالة تواصلنا مع والدتها، وكان من الضروري خلق مساحة أمان للطفلة الضحية، وعززنا ثقة الأم بإبنتها وهذه كانت حقيقة، أن الصبية كانت ترفض الاستجابة لطلب المشتكى عليه (الشاب المبتز).
وكان هناك قضية أخرى تركت أثراً جلياً على نفس الحقوقية عبد العزيز، عند حديثها عن إحدى القضايا التي عمل المركز، على تعزيز ثقة أب بإبنته التي وقعت ضحية للتنمر الإلكتروني من قبل شاب حاول ابتزازها الكترونياً.
واليوم الأب يشعر بالفخر وبشجاعة إبنته، بعد أن تفهم سبب وقوعها ضحية للتنمر الإلكتروني من قبل شخص حاول ابتزازها.
وتذكرعبد العزيز أنه عندما تم التواصل مع أهلها أخذ والدها بالبكاء فقالت له “بنتك قد حالها قوية، لو لم تكن ابنتك قوية لكانت تجاوبت مع المبتز”. وعندما شعرت البنت بأن أباها إلى جانبها حاربت وقدمت شكوى وتم ملاحقة المتنمر قانونياً.
وقالت إن كثير من القضايا يتم حلها دون تدخل الأهل ومن خلال الإحالة إلى مكافحة الجرائم الإلكترونية، وعادة ما يتم حلها من خلال تعامل القائمين في الوحدة مع المبتز الإلكتروني وفق الإجراءات المعمول بها والتعليمات.
خلال عام 2021، تعامل مركز العدل للمساعدة القانونية وهو (من بين 13 مؤسسة مجتمع مدني تعمل تحت مظلة تحالف “همم”)، مع أكثرمن 7 آلاف شكوى بينها ما أحيل كقضايا للمحاكم المختصة، ومنها من حصل على استشاره أو إرشاد وهناك قضايا حلت من خلال الوساطة.
وأوضحت عبد العزيز عدم انفتاحها بشكل أكبر على تقديم المساعدة القانونية بقولها “كمؤسسة مجتمع مدني لا أستطيع أن ننفتح على الناس بشكل كبير وحاجة الناس أكبر من قيمة أي مجتمع مدني، نحن نحتاج إلى منظومة وطنية، وهذه ليست مسؤولية يحملها مركز العدل وحده، هذه مسؤولية تتعامل معها وزارة العدل ونقابة المحامين ويتعاون معها المجتمع المدني، ونحتاج إلى تظافر كافة الجهود للجهات المعنية حتى نطبق هذه الخدمات”.