“سوق فن”.. منصة تتيح الأمل للحرفيين
17 أبريل، 2022بالتعاون بين “مؤسسة زين الشرف” و”تمكين” قصة طفلة تغادر بؤس اللجوء
17 أبريل، 2022توقف الزمن عند عام 2015 بالنسبة لعائلة المجني عليه (عمر) الذي توفي خلال التعذيب داخل إحدى الإدارات الأمنية، بعد توقيفه استناداً على قانون منع الجرائم كمشتبه به بقضية مخدرات .
وبعد مرور 5 سنوات على قضية (عمر) أمام محكمة الشرطة، وقد أصدرت قرارها بتجريم 3 من ضباط الأمن العام بجناية الضرب المفضي إلى الموت والحكم على كل منهم بالسجن 7 سنوات.
عائلة (عمر) التي عاشت حالة القلق على ابنها الذي كان يعاني من اضطراب المزاج ثنائي القطب كانت تخشى تعرضه لنوبه يصعب التعامل معها أو حتى الموت إلا أن ما خافت منه العائلة قد حدث “الموت “.
غيب الموت (عمر) وأخذت عائلته بالتعافي من صدمة الوفاة رويداً رويداً إلا أن ما علقت به المحامية هدى نصر شقيقة المجني عليه (ع) خلال حديثها لـ “همم” كان يحمل في باطنه وجعاً، تلك المحامية التي درست القانون ، ومارست حقها بالترافع أمام المحاكم تطالب بإنصاف أصحاب الحق وهي في المقابل صاحبة حق .
حظيت شقيقة (عمر) إلى جانب عدد من أهالي ضحايا “التعذيب “، باستضافة مركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان لتتحدث عن تفاصيل واقعة وفاة شقيقها التي حظيت باهتمام الرأي العام المحلي في عام 2015، الأمر الذي دفع بمديرية الأمن العام وقتها إلى فتح تحقيق في الوفاة.
تقول المحامية نصر لـ “همم” لم يكن بحق شقيقي أية قيود أمنية في سجله كما تم منعنا من الاتصال به أثناء فترة التوقيف لدى إحدى الإدارات الأمنية ومنع من الاتصال بالعالم الخارجي وغيرها.
تأذت نفسياً عائلة عمر حتى أن شقيقته وصفت حالة العائلة “توقف الزمن عند معرفتنا بوفاته، وعندما صدر الحكم شعرنا بالراحة ..ما زلنا نتعافى إلا أن ما حدث لا يمكن نسيانه، وقد احتجت في فترة لدعم نفسي”.
تحظى عائلات ضحايا التعذيب والمعاملة اللإنسانية سواء لضحايا أو أهاليهم باهتمام بالغ من قبل مركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان الذي يتبنى هذا النوع من القضايا خاصة المتعلقة بالتعذيب ويعمل على تطوير المؤشرات الخاصة بهذا النوع من الجريمة، وإصدار التوصيات ورفعها لصاحب القرار.
وبعد مرور تلك السنوات السبع، لم تنس المحامية نصر، وقوف القائمين من مركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان – إحدى مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل تحت تحالف “همم” – الذي تبنى قضية شقيقها وتصدرت تقارير المركز حول مؤشرات التعذيب.
وقالت “كان المركز من الداعمين لي نفسياً ومعنوياً إلى جانب عقد لقاءات تتعلق بجريمة التعذيب بتبني قضية وفاة شقيقي وآخرين وتوثيق تلك الانتهاكات في تقاريرهم الدورية حول جريمة التعذيب في الأردن … المركز قدم السند المعنوي والنفسي والقانوني”.
قضية عمر لم تكن القضية الأولى التي يعمل المركز على رصد جريمة التعذيب من خلالها بل عمل خلال السنوات الماضية على رصد العشرات من القضايا.
مؤخراً، أعلن في آذار عام 2022 ، المركز في تقريره السنوي الرابع حول مؤشر التعذيب لعام 2020\2021 عن رصد 9 حالات تعذيب من بينها 4 حالات وفاة اعتبرها التقرير تحت التعذيب أثناء التوقيف والاحتجاز فيما وصل عدد شكاوى التعذيب خلال الفترة نفسها إلى 135 حالة.
رغم أن الأردن من الدول المصادقة على اتفاقية مناهضة التعذيب والمعاملة القاسية وغير الإنسانية، إلا أن التدابير التشريعية والتنفيذية والقضائية غير كافية، بحسب المركز.
تشير الأوضاع العامة إلى تراجع حالة حقوق الإنسان والحريات في الأردن نظراً لعدم حدوث أيّة تغييرات جذرية تنعكس على تعزيز الحقوق والحريات بالرغم من التعديلات الدستورية التي كفلت مجموعة من ضمانات حقوق الإنسان.
ورغم وجود تشريعات أردنية نافذة تكرس معايير حقوق الإنسان إلا أن ذلك لم ينعكس على صعيد الممارسة والتطبيق.
ودفعت حالة الحريات العامة المركز إلى زيادة عدد مؤشرات التعذيب إلى 8 مؤشرات رئيسية آخرها المتعلق بالممارسات الخاصة بالملاحقة القضائية لمقياس التعذيب في الأردن، تفرع منها 56 مؤشراً فرعياً لقياس قدرة المملكة ومدى وفائها بالالتزامات القانونية الأساسية الواردة في اتفاقية مناهضة التعذيب بشكل موضوعي ومحكم، وقادر على رصد وتوثيق حالات التعذيب ومدى انتشارها.
ارتكز المؤشر الجديد وفق مدير المركز المحامي عاصم الربابعه على رصد مؤسسات المجتمع المدني لأماكن الاحتجاز والتوقيف ، وللممارسات الخاصة القضائية بهدف فحص الممارسة العملية وضمانات عدم إفلات مرتكبي التعذيب من العقاب، وهذا مبدأ أساسي من مبادئ معاهدة مناهضة التعذيب.
وهدف المقياس الجديد الذي أضيف إلى المؤشرات السبعه السابقة إلى قياس مدى وفاء التشريعات والسياسات والممارسات الأردنية بالالتزامات الأساسية الواردة في اتفاقية مناهضة التعذيب. وعلى ذات الصعيد طرح المؤشر الثامن المضاف أسئلة فرعية:
هل تحرك الشكاوى بشأن أعمال التعذيب على افتراض وقوعها بشكل تلقائي؟
هل تجري تحقيقات شاملة في إدعاءات التعذيب من جهة مستقلة؟
هل وجهت تهم بالتعذيب إلى الأشخاص المشتبه بارتكابهم أعمال التعذيب؟
هل يوقف المتهمون بارتكاب التعذيب عن العمل أو يمنعون من التعامل مع الجمهور قبل إدانتهم؟
وقد حصل هذا المؤشر على نسبة تحقق بلغت 25%
وهذه التساؤلات رأى فيها الربابعه أن احتساب هذا المؤشر قد أدى إلى انخفاض النتيجة العامة للباروميتر (مقياس) عن عام 2019 بمعنى أن الحماية ضعيفة أصلا وزادت نسبتها عام 2021 وخلصت إلى ذلك عندما تم دراسة مؤشر الممارسات الخاصة بالملاحقة القضائية لمرتكبي أفعال التعذيب.
وقال أن الأردن حقق سؤال فرعي واحد من أصل 4 أسئلة وبنسبة بلغت 25% وهذا يعني أن الجهود المبذولة لم تتحقق بالشكل المطلوب وفقا للمعايير الدولية.
ولفت ربابعه إلى أن ذلك ترك هامشاً واسعاً لمرتكبي جريمة التعذيب للإفلات من العقاب.
واعتبر أن المؤشر الجديد هو الأول على مستوى المنطقة والعالم لكون مؤسسة مجتمع مدني قامت بتطويره، بهدف مساعدة الدولة من خلال السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية على تطبيق فعال لاتفاقية مناهضة التعذيب باعتبار أن الأردن طرف في هذه الاتفاقية. هذا المؤشر مبني بشكل أساسي على الالتزامات الواردة في اتفاقية مناهضة التعذيب، ولكل مؤشر له مؤشرات فرعية سواء ما يتعلق بالمصادقة والنفاذ على المستوى الوطني سواء ما يتعلق بالتطبيقات القضائية، وبكفالة الضمانات الأساسية للأشخاص المحتجزين والتطبيقات القضائية.
وفسر ذلك بأن جميع تلك المؤشرات الفرعية التي ترد في مؤشر التعذيب لها علاقة بالتزامات الأردن الأساسية باتفاقية مناهضة التعذيب بشكل أساسي.
وقال أن هذا المؤشر قيد التطوير والمراجعة إذ يعد أول مؤشر يبنى على مستوى العالم قد يكون والهدف منه مساعدة الأردن على وضع خارطة الطريق لإنفاذ اتفاقية مناهضة التعذيب على المستوى الوطني.
ونوه الربابعه إلى أن هذا المؤشر يخضع للمراجعة نحن عملنا على تطوير الإصدار الأول… للمؤشر الإطلاق الأول والإطلاق الثاني وكان في تطوير للمؤشرات لكونه خضع للدراسة.
يقول الربابعه حول ذلك “نحن حريصون على قضية المراجعة من خلال رصد مدى كفاءة المؤشر لقياس مدى وفاء الأردن بالتزامته الأساسية وبموقف الأردن من الاتفاقيات الدولية المعنية بمناهضة التعذيب ومدى تطبيقها في النظام القانوني، رغم أن الأردن طرفاً إلا أنه بذات الوقت ليست طرفاً في البرتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة .
أضف ألى ذلك المؤشر، تجريم الإطار القانوني الوطني للتعذيب ،ومدى كفالة القانون الأردني للضمانات القانونية الأساسية للأشخاص المحتجزين، وكفالة التشريعات الأردنية لوجود آلية مستقلة معنية بتقديم الشكاوي لكفالة التشريعات الأردنية بإيجاد هيئة مستقلة لمراقبة أماكن الاحتجاز والتوقيف ومدى فاعليتها ،وكفالة القوانين الأردنية لكافة اشكال التعويض والإنصاف لضحايا التعذيب ورصد مؤسسات المجتمع المدني لأماكن الاحتجاز والتوقيف.
وقال الربابعه أن على الأردن التزامات واجبة كدولة طرف أبرزها منع التعذيب من خلال خلق بيئات احتجاز خالية من التعذيب وخلق بيئات لها مجموعة روافع أساسية أبرزها تطوير السياسات والتشريعات والممارسات، وفي المقابل نتحدث عن بيئات احتجاز سواء المؤقت او مراكز الإصلاح والتأهيل.
أما فيما يتعلق في بيئة الاحتجاز المؤقت الذي لفت إليها فهي ذات البيئة التي يمارس بها التعذيب في الأردن.
ولهذا لا بد من تطوير التشريعات التي تكفل حق الأشخاص المحتجزين بتوفير ضمانات المحاكمة العادلة، ودون تعرض الأشخاص للتعذيب في مراكز الاحتجاز المؤقت مع كفالة حقهم بالاتصال مع العالم الخارجي سواء فيما يتعلق بتوكيل المحامين والاتصال مع العائلة والإستعانة بالفحص الطبي المستقل.
وأوضح الربابعه أهمية توفير هذه الضمانات إذ أن هذه الضمانة ليست فقط هي حق للأشخاص المحتجزين بل هي أيضاً تساعد الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون في إثبات عدم قيامهم بممارسة التعذيب في حال وجود إدعاءات معللاً ذلك بان كفالة حق الأشخاص بالفحص الطبي تثبت الحالة التي كانوا عليها هؤلاء الأشخاص وادعاءاتهم اللاحقة في ممارسة التعذيب عليهم والتي يمكن نفيها من خلال تقرير الفحص الطبي أو الاتصال مع المحامين أو العائلة بالتالي ضمانة لها علاقة بالموظفين المكلفين بإنفاذ القانون وللأشخاص المحتجزين.
ما هو العائق أمام التزام الدولة بتنفيذ الاتفاقية؟
ربما يكون التزام الأردن بتنفيذ اتفاقية مناهضة التعذيب الموقع عليها أمراً إيجابياً، إلا أنها غير مطبقة بشكل فاعل من قبل مؤسسات إنفاذ القانون.
عن ذلك قال ” اعتقد أن العائق الذي دفعنا لبناء هذا المؤشر هو غياب الفهم المؤسسي حول طبيعة الالتزامات التي ترد بالاتفاقية وهذا يحول دون تطبيق فعال”.
وأضاف لا اعتقد أن التعذيب منتشر في الأردن أو أن هناك مسؤول رسمي لديه مصلحة شخصية في ممارسة التعذيب على الأشخاص، لكن هناك غياب للفهم المؤسسي وغياب الإرادة السياسية نحو التطبيق الفعال لاتفاقية مناهضة التعذيب على المستوى الوطني بأحكام الاتفاقية.
وأضاف أن عدم التطبيق ليس خوفاً من تنفيذ القرار، وإنما بسبب غياب الوعي لدى صانع القرار على مستوى سلطات إنفاذ القانون بأهمية التطبيق الفعال له. وتلك إحدى المشكلات، والمشكلة الثانية التي يتوجب النظر إليها هي كلف اقتصادية واجتماعية وثقافية غير منظورة وغير محسوبة لدى صانع القرار.
من جانب آخر، النظام الجزائي.. الاعتراف الذي يعتبر سيد الأدلة لأن الأحكام الجزائية تبنى على اليقين والجزم لكن الاعتراف يكون هو جزء من هذا اليقين الذي تولد للمحكمة خاصة في قضايا المخدرات التي تتعامل معها مكافحة المخدرات على سبيل المثال.
ويذهب بهذا الأمر ما بين التعذيب أو إساءة المعاملة فيختار المسار الأسهل بالتالي هذا الشخص يعترف فربما يكون الاعتقاد لدى المعني بإنفاذ القانون بأن هذا الشخص قد يقلل الكلفة لكن في المدى غير المنظور ربما كان لذلك كلف اقتصادية واجتماعية غير منظورة وأخطر من ذلك هو ضعف ثقة الناس بمؤسسات إنفاذ القانون.
و بمقارنة مع ما سجله المركز الوطني لحقوق الإنسان وهو مؤسسة وطنية تابعة للحكومة فقد بلغ عدد الشكاوى بحق المحتجزين في مراكز التوقيف 37 شكوى في عام 2020، أما قضايا سوء المعاملة المرتكبة بحق نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل عام 2020، فقد بلغت 42 قضية، ومنعت محاكمة 35 شخصاً من قبل المدعي العام الشرطي بينما حوكم سبعة فقط.
وخلص إلى أن التشريع الأردني لا يوفر الحماية العالية لحق الإنسان في السلامة البدنية، إذ أن هناك العديد من الثغرات القانونية التي تدلل بوضوح على احتمالات ارتفاع حدوث حالات التعذيب دون وجود ملاحقة قضائية لمرتكبي هذه الجرائم، وآليات تظلم فعالة يمكن اللجوء إليها لإنصاف ضحايا التعذيب.